قرار المحكمة الجنائية الدولية- فرصة جديدة للمسلمين ورفض للإرهاب.

المؤلف: بشرى فيصل السباعي11.03.2025
قرار المحكمة الجنائية الدولية- فرصة جديدة للمسلمين ورفض للإرهاب.

إن إصدار المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يشكل تطوراً جوهرياً ذا دلالات عميقة من زوايا متعددة. والأهم من بين هذه الزوايا هو منحه المسلمين بديلاً ملموساً وواقعياً للعنف والإرهاب في مواجهة ما يقع عليهم من ظلم واضطهاد. فمعظم المواد الدعائية التي تنشرها التنظيمات الإرهابية تبرر العمليات الإرهابية بادعاء وجود مظالم متراكمة يتعرض لها المسلمون، وغياب تام للمحاسبة والمساءلة، فضلاً عن انعدام الحماية. بيد أن الواقع يشهد بأن الإرهاب هو أكثر ما جلب على المسلمين ردود أفعال انتقامية ومزيداً من المظالم والجور والعسف. إن عدم إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين كان بمثابة الحافز الأكبر لنمو وتوسع الجماعات المتطرفة والإرهابية. لذا، فإن إنصاف محكمة الجنايات الدولية للفلسطينيين يسحب البساط من تحت أقدام الإرهابيين ويجردهم من حجتهم الرئيسية، ويثبت أن الهيئات الدولية ليست بالضرورة منحازة ضد المسلمين، خاصة عندما تصدر أحكاماً ضد كبار الزعماء الذين يتمتعون بنفوذ قوي في الرأي العام الغربي. من هنا، تبرز حاجة ماسة إلى أن يوجه المسلمون مزيداً من الاهتمام والجهود نحو إشراك الهيئات الدولية في قضاياهم العادلة، لما في ذلك من تحويل هذه الهيئات إلى أداة قوة وضغط في أيديهم لتحسين أوضاعهم وظروفهم. هذا التوجه الجديد سيكرس في وعي عموم المسلمين فكرة وجود خيارات أخرى غير الإرهاب، وأن هذه الخيارات تحمل عواقب أكثر أماناً وموثوقية لتحقيق الانتصار لقضاياهم. فبدلاً من أن يحلم الشباب المراهق بالانخراط في الأعمال الإرهابية للانتقام للمظالم التي ألحقت بأهلهم، سيتطلعون إلى أن يصبحوا محامين دوليين يسعون لنصرة قضاياهم عبر المحافل والهيئات الدولية. ومن الأهمية بمكان أن يستشعر كل من له تأثير في الأوضاع العامة للمسلمين ضرورة تجنب التصرف بأنماط ترفضها الهيئات الدولية، حتى لا يفقدوا الدعم والتأييد لقضاياهم. فمواقف الهيئات الدولية الداعمة تعتبر من أقوى أوراق الضغط على الأطراف الأخرى لصالح المسلمين. علاوة على ذلك، فإن قرار المحكمة الجنائية الدولية يضع حداً لنظريات المؤامرة التي تزعم أن العالم بأسره معاد للإسلام والمسلمين ويكرههم ويتآمر عليهم، وأن كل القرارات الصادرة لخدمة مصالحهم، مهما بدت إيجابية، تحمل في طياتها أغراضاً خفية ومدمرة. والدليل القاطع على زيف هذه النظريات هو أن الاعتصامات في الجامعات الأمريكية والمظاهرات في شوارع الدول الغربية لم تتوقف طوال العام الماضي دعماً للقضية الفلسطينية، على الرغم من قوة الدعاية الصهيونية التي تهيمن على وسائل الإعلام العالمية والحكومات الغربية. ينبغي عدم الاستهانة بأهمية المواقف المؤيدة لقضايا المسلمين من قبل الهيئات الدولية، حتى وإن كان تأثيرها المادي المباشر محدوداً. فالأثر المعنوي لهذه المواقف لا يقل أهمية عن التأثير المادي المباشر، بل قد يفوقه في القدرة على التأثير في مسار القضايا. لذا، يجب على الدول الإسلامية أن تبذل قصارى جهدها لتعزيز قوة ونفوذ الهيئات الدولية، فهي في أمس الحاجة إليها. صحيح أن هذه الهيئات الدولية ليست مثالية، خاصة في هيكليتها التي تميل لصالح الدول الكبرى والغربية، وبالأخص مع وجود حق النقض "الفيتو". وهناك دعوات متزايدة من العديد من الدول المتضررة من هذا الخلل لإصلاح هيكلية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ويجب على الدول الإسلامية أن تنضم إلى هذه الدعوات. فعدم عدالة الهيئات الدولية وعدم فعاليتها هما من الأسباب الرئيسية للحروب والإرهاب. فالعديد من النزاعات كان يمكن حلها عن طريق التحكيم الدولي لو كانت هناك قناعة راسخة بإلزامية نتائج هذا التحكيم. فالانطباعات السائدة عالمياً عن الهيئات الدولية هي أنها غير فعالة وغير ملزمة ومنحازة للغرب. إن جزءاً أساسياً من تغيير هذه الصورة وتفعيل دور الهيئات الدولية ومحاربة انحيازها هو الدفع نحو إشراك خبراء من خارج العالم الغربي فيها، لأن أغلبية بنية الهيئات الدولية يهيمن عليها الغربيون. وجدير بالذكر أن العديد من أفراد الفريق القانوني الذي أصدر قرار اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه هم من غير الغربيين، وقد سعى الإسرائيليون إلى تلفيق التهم ضدهم لتقويض مصداقيتهم، واتهموهم بمعاداة السامية. لكن القاضي الذي أصدر مذكرة الاعتقال هو نفسه يهودي وناجٍ من الهولوكوست.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة